في بداية خلافته .
· إن العصر الذي عاش فيه عمر بن عبد العزيز رحمه الله قبيل خلافته كان كما يصفه أحد الكتاب : "زمن قسوة من الأمراء"، كيف لا و الحجاج بالعراق، و محمد بن يوسف باليمن ، و غيرهما بالحجاز و بمصر و بالمغرب .
· قال عمر عن هذا الوضع :" امتلأت الأرض و الله جوراً".
· كذلك فيه من الفساد أن راح كل قادر على النهب ينتهب ما تصل إليه يداه ، و غابت الأخلاق فشاع الترف و الانحلال، و وراء الفساد سار الخراب ، فأخذت الأزمات المالية بخناق الدولة و محق إنتاجها ، و كان فيه تزييف لقيم الدين حتى إنه كان يلعن على المنابر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، و ساعد في هذا التزييف شعراء العصر.
· في اليوم التالي من خلافته رأى موكباً فخيماً من الجياد المطهمة يتوسطها فرس زينت كالعروس ليمتطي الخليفة ظهرها البَذِخ ، فأمر بها إلى بيت مال المسلمين ، ثم لما وصل إلى السرادق فإذا هو فتنة و لا كإيوان كسرى فأمر بضمه لبيت المال ، ود عا بحصير ففرشه على الأرض ثم جلس فوقه ، ثم جيء بالأردية المزركشة و الطيلسانات الفاخرة التي هي ثياب الخليفة ، فأمر بها إلى بيت المال ، ثم تعرض عليه الجواري ليختار منهن وصيفات قصر ، فيسألهن عنها و لمن كانت و ما بلدها فيردها إلى أرضها وذويها .
· بدأ عمر بن عبد العزيز رحمه الله بتغيير هذا الواقع إلى الصورة المثلى في ذهنه، فلما ولي بدأ بلحمته و أهل بيته، فأخذ ما بأيديهم ، و سمى أموالهم مظالم ، و هي الأموال الهائلة و الثروات العظيمة التي تملكها أسرته، و إخوته وحاشيته ، و عزم على ردها إلى أصحابها إن عرف أصحابها ، أو إلى الخزانة العامة ، و أن ينفذ على الجميع قانون (( من أين لك هذا )).
· بدأ في ذلك بنفسه ، فقد كان له عقارات أيام أسلافه من الخلفاء فرأى أنه لم يكن لهم سلطة شرعية عليها ليعطوه إياها و أنها من أملاك الدولة و أحصى أملاكه فإذا هي كلها من عطايا الخلفاء و لم يجد إلا عيناً في السويداء كان استنبطها من عطائه و العطاء رواتب عامة تعطى للناس جميعاً من بيت المال .
· توجه إلى أمراء البيت الأموي فجمعهم و حاول أن يعظهم و يخوفهم الله ، و بين لهم أن ليس لهم من الحق في أموال الخزانة العامة أكثر مما للأعرابي في صحرائه ، و الراعي في جبله و أن ما بأيديهم من أموال جمعوها من حرام ليس لهم إنما هو لله ، و أرادهم على ردها فأبوا ، و دعاهم مرة أخرى إلى وليمة و استعمل أسلوباً آخر من اللين فلم يستجيبوا ، فلما عجزت معهم أساليب اللين عمد إلى الشدة و أعلم أنه كل من كانت له مظلمة أو عدا عليه أحد من هؤلاء فليتقدم بدعواه ، وألف لذلك محكمة خاصة ، وبدأ يجردهم من هذه الثروات التي أخذوها بغير وجهها و يردها إلى أصحابها أو إلى الخزانة العامة .
· وسط بني أمية عمة له كان يوقرها ، فكلمته فقال : إن الله بعث محمداً صلى الله عليه و سلم رحمة و لم يبعثه عذاباً ، و اختار له ما عنده ، فترك لهم نهراً ، شُرْبُهُم سواء ، ثم قام أبو بكر فترك النهر على حاله ، ثم عمر فعمل عمل صاحبه ، ثم لم يزل يشتق منه يزيد و مروان و عبد الملك و الوليد و سليمان حتى أفضى الأمر إليّ ، وقد يبس النهر الأعظم و لن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان .
و دعا بجمر و دينار ، فألقى الدينار في الجمر حتى إذا احمرّ أخذه بشيء و قرّبه إلى جلده ، و قال : يا عمة أما تشفقين على ابن أخيك أن يكوى بهذا يوم القيامة ؟ . قالت : إذن لا تدعهم يسبونهم ، قال : ومن يسبهم ؟! إنما يطالبونهم بحقوقهم ، فخرجت فقالت : هذا ذنبكم لماذا زوجتم أباه بنت عمر بن الخطاب ، اصبروا فإنه لا يجير .
· تجرأ عليه ابن للوليد فكتب إليه كتاباً شديد اللهجة أشبه بإعلان الثورة ، فغضب عمر لله و قبض عليه و حاكمه بمحاكمة كانت تؤدي به إلى سيف الجلاد لولا أن تاب وأناب .
· خضعوا جميعاً و ردوا ما كان في أيديهم من الأموال و اكتفوا بمرتباتهم الكثيرة التي كانوا يأخذونها من الخزانة ، و لكن عمر لم يكتف و أمر بقطع هذه الرواتب و إعطائهم عطاء أمثالهم ، و أمرهم بالعمل كما يعمل الناس ، و عم الأمن و همدت الثورات ، و شملت السعادة الناس ، و اختفت مظاهر البذخ الفاحش ، و مظاهر الفقر المدقع ، و صارت بلاد المسلمين عدلاً و خير .
· أمر رحمه الله بعزل الولاة الظلمة ، و بدأ بالتغيير السريع الحاسم العميم الذي يجب أن يتم على مستوى الأمة في ذلك الوقت .
عدد القرائات:51944
ارسل لصديقك هذا الموضوع